معجزة سورة القرآنية
معجزة سورة القرآنية
هذا الكتاب لم يعد القرآن آياتٍ مُنجَّمات، ولا جُملاً مُنفصلاتٍ تجمعها نجوم وتفرقها فواصل ونقاط. بهذا السِّفر يتجلى القرآن كتاباً يتكون من فصولٍ هي السور. ولكلّ سورةٍ عنوانُها . ويُثبت كلّ فصلٍ هنا أن عنوان السُّورة هو موضوعها الذي تدور حوله كلّ آياتها. ولم يعد في القرآن تكرارٌ بل توظيف معلومات. بهذا السِّفر يبدأ عهدٌ جديدٌ في علوم القرآن. وبه يسقطُ حائط جهلٍ كان يتعرض لسهام فئتين من الناس: الملحدين من العرب والمستشرقين وعلماء الأديان من الغرب .
ونتج عن دراسة موضوع العنوان نتائج تجاوزت إثبات الإعجاز فيه إلى أمرٍ آخر لا يقل أهميةً. فعند اعتبار العنوان محوراً للسورة، والتحقّق من أنه عنوانها بالمعنى الحقيقي المتعارف عليه في أصول الكتابة، واستعماله كأحد ضوابط التفسير، لا تبقى حاجةٌ لأحاديث أسباب النزول؛ التي يفتقر معظمها إلى المصداقية. وكذلك يُستغنى عن فكرة مكِّية الآية أو مدنيتها في التفسير لأنها الأخرى غير مؤكدةٍ إلا في بعض الحالات. كما يُستغنى عن أخطر بل أسوأ جزءٍ في تراث الأمة، وهو معظم الأقوال المنسوبة لصحابةٍ أجلاء كابن عباس، والاجيال التَّالية من المفسرين ، حيث تتناقض الروايات المنسوبة للشخصٍ الواحدٍ حول نفس الآية. ووصفناها بالسوء لأنها قَيَّدَت عقولَ علماء التفسير، وحرمت الأمة من معرفة المعنى الحقيقي لآياتٍ كثيرةٍ؛ خصوصاً عندما رفع معظم علماء الأمة شعار أولوِّية النقل على العقل؛ وفعلاً تعطل العقل.
وبهذا السفر صار القرآن مُعجِزاً لغير العرب. فإثبات معجزة العنوان وإمامته للسورة لزمه تفكيك السُّورة وتحليلها، ودراسة طريقة صياغتها وترتيب المعاني الواردة فيها، وعلاقة أجزائها بعضها ببعض. فظهر ضربٌ آخر من ضروب إعجاز القرآن وهو تفوقها من زاوية فن كتابة النثر بأنواعه كما ألهمه الله للبشر حتى هذا الزمن؛ وهو ما لم تكن البشرية قد عرفته يوم نزول القرآن ولا بعده بقرون. وفي الكتاب ما ينشئ عند القارئ مهارة الفهم ومهارة كتابة النثر بأنواعها جميعاً وخصوصا المقال بأنواعه والقصة القصيرة والرواية. فهذه النماذج موجودة في القرآن بأبهى صورها.
ومن أهداف هذا الكتاب أن يكون قاعدةً لإصلاح العلاقة بين الأمة وبين دينها . فيمكن أن يُبنى عليه تفسيرٌ سليمٌ للقرآن يخلو من التناقضات وينير مساحاتٍ جعلها التفسير بالنقل غامضةً وغير مقنعةٍ. وعلى ضوء التفسير السليم المقنع للعقل والملتزم بقواعد فهم النصوص يمكن إصلاح السُّنَّة. فيُقبَل منها ما يتفق مع التفسير السليم للقرآن أو يتماشى مع روح القرآن وقيِمَه الأساسيَّة. ويُبعَد ما يخالف تفسير القرآن وروحه. وعلى ضوء الفهم السليم للقرآن وتنقية السنة يمكن إصلاح الفقه، ووضع فلسفة حياة إسلامية تضاهي أرقى ما عرفت البشرية من مناهج الحكمة إن لم تتفوق عليها.