للإمام أبي عَبْدِ اللهِ محمد بن أبي بكر بن أَيُّوبَ ابْنِ قَيمِ الجَوْزَيَّةِ
بسم اللہ الرحمن الرحیم
قاعدة جليلة
إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند حضور تلاوته وسماعه، وألْقِ سمعك، واحضر من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه إليه؛ فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله :
قال تعالى : إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبُ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق/٣٧]۔
وذلك أن تمام التأثير لما كان موقوفا على مُؤثرٍ مُقْتَضِ، ومحل قابل، وشرط الحصول الأثر، وانتفاء المانع الذي يمنع منه؛ تضمَّنَتِ الآية بيان ذلك كله بأوجز لفظ وأبينه وأدله على المراد .
فقوله : ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى : إشارة إلى ما تقدم من أول السورة إلى هاهنا، وهذا هو المؤثر.
وقوله : لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبُ : فهذا هو المحل القابل، والمراد به القلب الحيُّ الذي يَعْقِلُ عن الله ؛ كما قال تعالى : ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْءَانٌ مُّبِينٌ لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيَّا﴾ [يس/٦٩ – ٧٠]؛ أي : حي القلب .
وقوله : ﴿ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ ؛ أي : وجه سمعه وأصغى حاسة سمعه إلى ما يُقال له، وهذا شرط التأثر
بالكلام .
وقوله : ﴿ وَهُوَ شَهِيدٌ ) ؛ أي : شاہد القلب حاضر غائب غائب . قال ابن قتیبة (١) : استمع كتاب الله، وهو شاهد القلب والفهم، ليس
(۱) تفسير غريب القرآن» (ص ٤١٩)۔